بسبب رسم كاريكاتوري.. تركيا تتهم مسؤولي مجلة "ليمان" بالتحريض على الكراهية
بسبب رسم كاريكاتوري.. تركيا تتهم مسؤولي مجلة "ليمان" بالتحريض على الكراهية
أوقفت السلطات التركية، السبت، عضواً بارزاً في مجلس تحرير مجلة "ليمان" الساخرة، على خلفية رسم كاريكاتوري نُشر قبل أسابيع وأثار موجة غضب شديدة، وعدّه البعض "مسيئاً للنبي محمد"، رغم تأكيد المجلة أن لا صلة له بالنبي ولا يحمل أي دلالات دينية.
وقالت منظمة "MLS" التركية لحقوق الإنسان، عبر منصة "إكس"، إن الصحفي أصلان أوزديمير أوقف في مطار إسطنبول عقب عودته من مدينة مرسيليا الفرنسية، بموجب مذكرة صادرة عن المحكمة الجنائية في إسطنبول بتهمة "التحريض العلني على الكراهية والعداء"، وفق وكالة "فرانس برس".
يمثل توقيف أوزديمير خامس حالة توقيف في إطار القضية ذاتها، التي بدأت مع نشر رسم كاريكاتوري ضمن عدد سابق من المجلة، يصور شخصين باسم "محمد" و"موسى" في مشهد ملائكي فوق مدينة مدمّرة، اعتبره البعض تلميحاً دينياً مستفزاً، في حين نفت المجلة ذلك قطعاً.
وفي 2 يوليو، اعتقلت الشرطة أربعة من طاقم المجلة، وهم علي يافوز، مدير الرقابة الإدارية وجبرائيل أوكجو، مصمم الغرافيك ودوغان بهليفان، رسام الكاريكاتور وظافر أكنار، مدير الإدارة، وجميعهم أنكروا أي نية للإساءة، وأكدوا أن الرسم لا علاقة له بالنبي محمد.
حرية التعبير والإساءة الدينية
أثارت عمليات التوقيف احتجاجات متفرقة ومواجهات محدودة في إسطنبول بين مؤيدين للمجلة من جهة، ومجموعات إسلامية غاضبة اعتبرت العمل الكاريكاتوري "إهانة دينية" غير مقبولة.
ودافعت منظمة "MLS" الحقوقية عن حق المجلة في التعبير الفني، مؤكدة أن تفسير الرسوم "يجب ألا يكون مبرراً لتقييد حرية الصحافة أو محاكمة النيات".
ومن جانبه، صرّح الرسام دوغان بهليفان للشرطة أنه لم يقصد الإساءة إلى أي رمز ديني، قائلاً: "كنت أريد الحديث عن السلام، وإدانة عبثية الحرب.. لقد التزمت طول مسيرتي بعدم التطرق إلى الرموز الدينية. أرسم في تركيا منذ عقود، وأعلم أين تقع الخطوط الحمراء".
رواية المجلة: "الرسم لشهيد مسلم"
بدوره، قال تونكاي أكغون، المسؤول في مجلس تحرير المجلة والمقيم خارج تركيا، إن ما جرى "محاولة للترهيب" لا تستند إلى أساس، مؤكداً أن الرسم لا علاقة له بالنبي محمد، وإنما يصور مسلمًا قُتل في غزة، واسمه محمد، كما هي حال ملايين المسلمين.
وأضاف في تصريح لوكالة "فرانس برس": "لن نخاطر أبداً بالسخرية من النبي أو من الدين الإسلامي. هذا الرسم يتناول قسوة الحرب، ولا شيء غير ذلك".
ودخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خط الأزمة، واعتبر الرسم الكاريكاتوري "استفزازاً شائناً" و"جريمة كراهية"، متوعدًا بمحاسبة جميع المتورطين فيه، ومؤكداً أن "إهانة النبي محمد لن تمر دون عقاب".
وأثارت هذه التصريحات مخاوف أوساط الصحافة التركية والمنظمات الحقوقية من تزايد استغلال تهم "الإساءة للدين" لتقييد الحريات الإعلامية، خاصة في المناخ السياسي المشحون الذي تعيشه تركيا.
مجلة ليمان والسخرية
تُعد مجلة "ليمان" من أبرز المجلات الساخرة في تركيا، وتتمتع بتاريخ طويل من الانتقاد السياسي والاجتماعي.
وتعرضت مرارًا لضغوطات واعتقالات طالت رساميها وصحفييها، خاصة في أعقاب محاولات انقلاب 2016 وما تبعها من تضييق على الحريات العامة.
وتمثل قضية الرسم الكاريكاتوري الأخيرة امتدادًا لسجال طويل في تركيا بين السلطة والصحافة المعارضة، يتداخل فيه الديني بالسياسي، وسط انقسام شعبي واضح حول حدود حرية التعبير.
حرية التعبير واحترام الرموز الدينية
تعكس هذه القضية التوتر المزمن في تركيا بين حرية الرأي والتعبير من جهة، وحساسية الرأي العام تجاه المقدسات الدينية من جهة أخرى، في بلد تتشابك فيه المشاعر الدينية بالقانون والسياسة.
وبينما تصر السلطات على تطبيق القانون بحزم، تخشى المؤسسات الحقوقية من أن يتحول الرسم الكاريكاتوري إلى ذريعة لتكميم الصحافة، في بلد صنف مرارًا ضمن أسوأ الدول في حرية الإعلام بحسب مؤشرات دولية.